من سيعوضنا عما كابدناه زمن سنوات &quot

Publié le par darouich abdeltif

من سيعوضنا عما كابدناه زمن سنوات "الرّصاص"؟ !!!

إن من بين المواقف النبيلة التي صدح بها صوت من أصوات ضحايا سنوات الرصاص موقف الأستاذ أحمد حرزني الذي استطاع ،بجرأته النادرة، أن يخرق القدسية الزائـفة التي حاول بعض رفاقه إضفاءها على ممارساتهم في السبعينيات . و تحدث عن عادية هؤلاء الرفاق و بعض سلوكياتهم التي لم تكن في حجم القدسية و الطهارة التي يتغنون بها . و الذي يستشف من كلام الأستاذ حرزني أن هؤلاء الرفاق كان إرهابهم، و لا تسامحهم، يضاهي القمع الذي مارسه المخزن آنذاك، وفي بعض الأحيان كان يتجاوزه .و لندلل على مصداقية كلامنا نسوق نماذج من سلوك إرهاب المتياسرين في السبعينيات و انتهازيتهم في المرحلة الراهنة.

1)    نماذج من إرهاب المتياسرين في سنوات " الرّصاص" :

                إنّ الجامعة في أواخر الستينيات كانت المرتع الوحيد، و الحقل الأوحد الذي مارسوا فيه كل ما سموه بنضالهم و استيهامتهم ؛ فصعدوا الجبال دون أن يبرحوا  مدرجات الكليات ، و قتلوا العدو الطبقي في مقاصف الكليات، و حانات المدن الجامعية ، و حرروا فلسطين بارتدائهم الكوفية ، و تضامنوا مع العمال بارتدائهم بذلة ماو الشهيرة و تدخينهم أردأ أنواع السجائر السوداء. و رفضوا الرومانسية التافهة ـ (هكذا؟!!!!)ـ و لعنوا العجوز أم كلثوم و اتهموها بهزم العرب في 67 و انتقدوا الشاعر نزار قباني و اتهموه بالميوعة و الرجعية ـ تهم كانت توزع مجانا على من لا يسايرهم ـ و اعتبروا الحب والعاطفة نضالا و التزاما و أصبحت معرفة كتب ماركس و انجلز و روزا لوكسمبورغ شرطا من شروط الفوز بقلب الرفيقة المناضلة. و تحضرني النكتة التي صاغها الطلبة عن هذا السلوك أنه كان في الكلية شقيقان واحد من المناضلين و الآخر طالب عادي ليس له انتماء و كانت للأخ المناضل حظوة عند المناضلات عكس أخيه الذي لم يكن محظوظا فسأل هذا الأخير أخاه عن أنجع السبل للظفر بقلب فتاة جامعية فقال له أخوه إن وصفتي السحرية تكمن في سرد أسماء رواد الفكر الماركسي على التي أنوي الانفراد بها ويكون فعلا لذكر هذه الأسماء وقع لا يتصور على هذه المسكينة و أقضي وطري منها وبعد استماع  الأخ لكلام أخيه خرج ليجرب هذه الوصفة فالتقى فتاة في بهو الكلية فسألها هل تعرفين ماركس و انجلز و لينين ؟ قالت نعم فقال لها إذن لنذهب إلى البيت. ...ـ هيهات لو كان هؤلاء في مستوى تمثل أعمال هؤلاء المفكرين ـ و هكذا عشنا نحن الطلبة الذي لا انتماء لهم أحلك الفترات كان سلوكنا مراقب داخل حرم الجامعة، فإذا ضحكت و كنت برفقة زميلات الفصل اتهموك بالميوعة و الخلاعة، أما إذا أعجبك صوتك و صدحت بأغنية رومانسية فأنت ماجن و ساقط، وهكذا ألفينا أنفسنا محاصرين بترسانة من الممنوعات، لا تقل عن ممنوعات عدوهم المخزن، و كنا في حالات كثيرة نتفادى الحضور المنضبط إلى الدروس، و الاعتماد على ما ينقله زملاؤنا الذين نعيّنهم لحضور الدروس نيابة عنا .كما كان هؤلاء يمارسون نفس السطوة على الأساتذة ـوفي أحايين كثيرة كان بعض الأساتذة يجاريهم حتى لا يفسدوا السير العادي لدروسه ـ فكانوا بدعوى الانفتاح و التقدمية يتجرؤون على الأساتذة و يبتزونهم ماديا و معنويا، فكانوا في كل مرة يأتون برفيق لهم يعاني عوزا ماديا أو يدعي ضياع منحته أو سرقتها و يلجون الفصول الدراسية ويوقفون الدروس و المحاضر، و يبدؤون في جمع الإتاوة ـ التبرعات-  فكان البعض منا يرفض و كان البعض الآخر يساهم على مضض و حتى الأساتذة كان بعضهم يشارك في التبرعات درءا لمواقفهم العدوانية و شغبهم أثناء محاضراته. و الذي خبر حياة الليل في المدن الجامعية يعرف جيدا أين كانت تصرف أموال التبرعات التي كان يجمعها الرفاق نهارا. و يقف على الوجه الآخر لهؤلاء ـ مليشيا ادعاء عام مهووسة باتهام الآخرين ـ فالرفيق الذي يرفض أغاني العجوز نهارا يتغنى بأجمل روائعها ليلا في المراقص و الملاهي. و كم كانت دهشتنا كبيرة عندما اكتشفنا إتقان وحفظها هؤلاء لأغاني العندليب الأسمر، وأم كلثوم، و عبد الوهاب ـ كانوا يدعون كراهيته لأنه قال ما أطول العمر حتى نضيعه في النضال ـ و يرقصون على أغاني الشيخات ـ و يتهمنهم نهارا و في ساحات الجامعات بالترويج للفكر الإقطاعي، و الرجعية و تبخيس المرأة ، ولا نعجب إذا وجدنا أحد أقطاب هذا التيار و أشد مكفري أعدائه يتحدث مؤخرا عن العيطة، و الشيخات كتراث مغربي أصيل يحمل معاني إنسانية راقية، وكذاك الشأن بالملحون الذي اعتبروه أدبا ساقطا يعكس سفالة الحرفيين، و نذالتهم، و اتهموه بكره المرأة. و الآن أصبح هذا الملحون عندهم تراثا إنسانيان و سموا بناتهم بأسماء مثل غيثة و عويشة.  ولم يعد الخلخال قيدان ولا عيون عويشة وصفا تشييئيا، ووجدنا فنانيهم الذين كانوا يقلدون أغاني الشيخ إمام و مارسيل خليفة قد تخصصوا في هذا الفن...هم هكذا: عندما أرادوا انتقاد هذا الفن وجدوا ، وهم  فنانو التأويل ،  بسهولة الدلائل . و لما أرادوا العكس و جدوا  ما يريدون وقوّلوا هذا الفن ما لم يقله ـ كانوا يرتدون أجمل الألبسة في سهراتهم و لياليهم الحمراء، و يأتون إلى الكلية بلباس النضال كأني بهم عمال ارتدوا بدل عملهم، وويل لك إذا ارتديت لباسا أنيقان أو وضعت ربطة عنق فأنت برجوازي صغيري، و تحمل في ذاتك مشروع شخص انتهازي وتتماه مع نموذج الشخص البورجوازي...

ثقافتهم ـإن جاز لنا أن نسميها ثقافة ـ ثقافة تجريم و تكفير، ور فض للاختلاف، الذي يتغنى به جلهم حاليا، و حاربونا آنذاك لأننا كنا  نؤمن  بهذا الاختلاف  . إن عقولهم كانت مهووسة باتهام الآخر، و عقلهم معتقل في تصورات اقل ما يمكن أن يقال عنها إنها فاشستية. لقد اتهمنا ب: التبوليس( أي خدمة البوليس) أو التجسس على الرفاق لصالح المخزن. و كم كانت مفاجأتنا كبيرة عندما تحدث بعض المخبرين السابقين في جريدة وطنية ذائعة الانتشار، أن جل من كان يتهمنا بهذا العمل الدنيء كان يقوم به  في جنح الظلام.  و لعل من اعتقلوا من الشرفاء يعرفون جيدا من أدخلهم إلى السجن، و يعرفون خطأ اتهاماتهم لبعض الطلبة الشرفاء الذين كان همهم الوحيد هو التحصيل لضمان مستقبلهم ومستقبل عائلتهم. واليوم نجد أنفسنا بدبلوماتنا و كدنا، دون المستوى المعيشي لأقل هؤلاء رتبة فهم يشغلون مناصب لا يستحقونها، و ليسوا مؤهلين لشغلها فمنهم من هو في ديوان وزير، أو رئيس جمعيةن أو مستشار جماعي لا يتورع في عن سرقة المال العام، و استغلال النفوذ، وعندما نواجهه ببعض الأسئلة- التي نظن بأنها ستحرجه- يجيبنا ببرودة دم و وثوقية بأن الظروف تغيرت، و أن أفكار الأمس لم تعد مناسبة لمغرب اليوم وووو.

لقد أدينا أخطاء بعضهم عندما استفز المخزن فظلمنا هذا الأخير، و حرمنا من أشياء كثيرة، فأدينا عوضا عنهم ثمن أخطائهم.  كنا نعتقل لمجرد شبهة، فكان كل شاب متهما حتى تثبت براءته فكانت ( لارافrafle) [1]وووو..(والبيضاويون يتذكرون كيف كانوا يركبون الحافلة العمومية قبل الثامنة ليلا بالمقابل لتقلهم إلى بيوتهم وبعد الثامنة ليلا كانوا يحملون فيها مجانا ولكن إلى مخافر الشرطة...)فالجند حاولوا قلب النظام ولم ينجحوا فكان أن أدينا ثمن خطئهم .وحزب دخل في صراع مع العرش وهُزِم ودقنا نحن الضعاف مرارة نزقه وقصر رؤيته، فضيق علينا الحكام الخناق، وحرمونا من أبسط الحقوق. والآن إنهم يتحدثون بأسلوب آخر عن النظام وعن الديمقراطية والحداثة ولم تعد الملكية قرسطوية ورجعية ومتخلفة.  وهاهم الآن  يعوضون معنويا وماديا بملايين الدراهم التي وزعت عليهم وبالإتاوات ورخص سيارات الأجرة وغيرها،ومناصب لم يشغلها الطلبة الذين واجهوا صعوبة الحياة بالكد و الجد و وحصلوا على أعلى الشهادات ولم يستفيدوا من عطف الأساتذة كما استفاد هؤلاء المعتقلون  ومنهم من ناضل من أجل أن يطلق سراح المعتقلين السياسيين و مفاجأته كانت كبير ة عندما وجد أن هؤلاء هم أحسن حظا منه و أغلبهم حصل عل شهادات فقط لأنه كان معتقلا و نال عطف الأستاذ الممتحن.إنهم أصبحوا أحسن منا حالا نحن المواطنين  البسطاء الذين لم يفعلوا شيئا يسيء للوطن وأدوا ثمن أخطاء مناضلي الصدفة و وتعويضاتهم كذلك. ومن بين المتمنيات المضحكة المبكية أن يبوح طالب شريف لأصدقائه قائلا : لو اعتقلنا كما اعتقل مناضلو الصدفة لحلت جميع مشاكلنا عوض العيش المزري و الاقتراض الدائم .

إنني أطالب من كان سببا في تعاستنا، و حرماننا من حياة جامعية نبيلة بأن يعتذر، و أن يعترف بتفاهتهن و خسته، و انتهازيته. و مهما وصفته بأحقر الصفات فإنني لن أشفي غليلي أنا الشاب الذي كنت المضطهد و المتهم: من سيعوضني .ألا تفكر الدولة في تعويض المواطن "الصالح" الذي كان بعيدا عن صراعاتها مع أعدائها؟  لماذا دولتنا هكذا قاسية مع أبنائها الخلّص، الذين خدموها بإخلاص  وتفان، ودافعوا عن وحدتها من الأول وليس من الذين التحقوا بالركب مؤخرا بعدما تسببوا في كسور يعز جبرها.

2)    إن مغرب اليوم كالشخص المصاب بداء لا يداوى فيقبل على جميع الوصفات التي يقدمها له المشعوذون عندما لا تنفع وصفات الأطباء . الكل اليوم يشتكي من ظلم الأمس ولا أحد تجرأ و قال إنني كنت السبب وراء ويلات شعبي سواء بطريقة مباشرة ( الجلادون ) أو بطريقة غير مباشرة ( مناضلو ساعات الدرس المتياسرون و سواهم من مناضلي الصدفة) إنهم ناقصو شجاعة و جرأة فكريين و انتهازيون عندما عرضت عليهم إغراءات مادية ارتموا كالكلاب الضالة على المضغة ونسوا أن هذا التعويض يجب أن يقدم لأناس شرفاء خطؤهم الوحيد أنهم درسوا و ثابروا من أجل خدمة وطنهم و مساعدته على الوصول إلى أعلى المراتب . و الأكيد أن بلدنا و في عجلة من أمره جعل من هؤلاء أبطالا و أسبغ عليهم هالة نبالة لا يستحقونها لأن سلوكهم أقرب إلى النذالة منه إلى النبل.



[1] سيارة الشرطة التي كانت تعتقل كل مار في الشارع العام بعد الثامنة ليلا وبدون مبرر ...


Publié dans abdeltifdarouich

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article